ي منتصف القرن السابع عشر لاحظ العالمان ويسلر وجليسون أن أعدادا متزايدة من الأطفال المهاجرين من الريف إلى المدن وممن يعيشون في أكواخ مظلمة قد أصيبوا بمرض مدمر للعظام ومع الثورة الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر حدثت زيادة درامية في معدلات الإصابة بذلك المرض ولاحظ العالم ليرين أن 99% من هؤلاء الأطفال المصابين بالمرض يعيشون في مناطق المدينة المزدحمة والفقيرة وفي عام 1919 جاءت أول دراسة علمية للعالم بالم لتؤكد علاقة مرض لين العظام بنقص التعرض لضوء الشمس ثم توصل العلماء هيس وانجر وميلا نوتي في عام 1922 إلى علاقة مرض لين العظام بنقص فيتامين دD .
لقد أصبح هذا المرض نادرا تماما في الدولة الأوروبية وأمريكا خلال العشرين عاما الخيرة نظرا لإدراك السكان بسبل الوقاية من المرض , كذلك تعزيز الألبان الاصطناعية بفيتامين د في نفس الوقت أصبح المرض منتشرا بصورة كبيرة في بعض الدول التي تعتمد الأمهات فيها على الرضاعة الطبيعية ويفتقرن إلى التعرض لأشعة الشمس بصورة كافية بل إن البعض قد ربط بين ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض في الأطفال بالدول الإسلامية وبين الالتزام الديني والتقاليد الاجتماعية التي تلزم الأمهات بالزي المحتشم كما يؤكد الدكتور بيير جيرسي (1988) . وتلك حقيقة إحصائية منقوصة أو حق يراد بها باطل .
إننا في العالم العربي نعاني من انتشار ذلك المرض في بعض المناطق والتي حباها الله بشمس ساطعة ومستويات معيشية راقية ومن المفترض عدم وجود المرض بتاتا وهنا تأتي أهمية الوعي الصحي وبالإمكان وبكل يسر المحافظة على تقاليدنا الإسلامية السمحاء واعتماد الرضاعة الطبيعية لأطفالنا في آن واحد مع حماية الأبناء من الإصابة بهذا المرض .
الشمس نعمة من الخالق
عندما تخترق أشعة الشمس المجال المحيط بالأرض فان طبقة الأزون تمتص الأشعة عالية الطاقة والتي من الممكن أن تضر أو تدمر الحياة على كوكبنا بينما تنفذ باقي الحزمة الإشعاعية للشمس حيث ينعكس 10% منها وتمتص الأرض النسبة الباقية . إن أشعة الشمس تحتوي على الأشعة فوق البنفسجية Ultraviolet B Photon والتي تؤثر على الطبقة السطحية وتحت السطحية لجلد الإنسان لتولد فيتامين د3 أو D3 وذلك بمساعدة بروتينات خاصة وعادة ما تتم تلك العملية خلال مدة 1.5-2 يوم من تعرض الإنسان للشمس ، وكلما ازداد الإنسان عمرا كلما قلت مقدرة جسمه على توليد هذا الفيتامين .
[Only registered and activated users can see links]
وتلعب بعض العوامل الجغرافية مثل زاوية دوران الأرض حول الشمس أو الفصول أو موقع الدولة دورا هاما في كمية الأشعة فوق البنفسجية التي يتعرض لها السكان بتلك الدول وهو نظام يعرف علميا بنظام Solar Zenith Angle .
أهمية فيتامين د
إن فيتامين د3 المولد من جلد الإنسان أو المتوفر من مصادر غذائية عادة ما يمر بدورة حيوية في الجسم تلعب فيها الأمعاء والكبد والكليتين دورا مميزا لإنتاج مركب خاص من هذا الفيتامين يؤثر بصورة رئيسية على الصحة والكفاءة الوظيفية للعظام والأسنان والعضلات ويمكن تحديد أهمية فيتامين د3 في وظيفتين هما :
يلعب دورا رئيسيا تنظيم مستوى أملاح الكالسيوم والفسفور في الدم وهي المعادن الرئيسية المكونة للعظام . يتم تنظيم مستوى هذه الأملاح في الدم عن طريق عمل فيتامين د على زيادة امتصاصها في من المواد الغذائية المهضومة بالأمعاء الدقيقة وتقليل إفرازها مع البول .
يعمل على ترسيب الكالسيوم في العظام والأسنان . وبهذا يعمل على بناء العظام من خلال تحويل الأجزاء الغضروفية اللينة إلى أجزاء عظمية صلبة مما يسمح ببناء الهيكل العظمي
[Only registered and activated users can see links]
المصادر الغنية بفيتامين د
أهم مصادر الطبيعية لفيتامين ( د ) هو تصنيعه من الكولسترول في الجلد بعض تعرضه لأشعة الشمس فوق البنفسجية . وهناك مجموعة من المواد الغذائية الغنية بفيتامين ( د ) أهمها الحليب ومشتقاته كاللبن والجبن والقشدة والزبدة ويوجد أيضا في البيض وزيت السمك والكبد وأطعمة أخرى متعددة . ولكن المصادر الرئيسية لتزويد الجنين والطفل الرضيع بفيتامين ( د ) يمكن تلخيصها بالتالي:
مخزون الأم الحامل أو المرضع من فيتامين د .
محتوى حليب الأم المرضع من الفيتامين وهذا يرتبط ارتباطا مباشرا بمخزون جسمها من فيتامين د.
التوليد الذاتي لفيتامين د من جلد الطفل وهي عملية ترتبط مباشرة بمدى كفاية تعرضه لأشعة الشمس .
المصادر الغذائية والتي عادة ما لا يعتمد عليها في هذه المرحلة العمرية كمصدر لفيتامين د .
إن السبب الرئيسي لنقص فيتامين ( د ) هو قلة التعرض لأشعة الشمس بالإضافة إلى قلة تناول الأغذية التي تحتوي على هذا الفيتامين . ويتعرض الأشخاص ذو البشرة الداكنة لنقص فيتامين ( د ) أكثر من غيرهم لاحتياج البشرة لامتصاص كمية أكبر من أشعة الشمس لتكوين الفيتامين . كما يزداد شيوع المرض في المناطق الباردة الغير مشمسة ويتعرض الأطفال الخدج لأعراض مبكرة لأن الجزء الأكبر من تكوين عظام الجنين يتم في المرحلة الأخيرة من الحمل و لازدياد حاجتهم للتعويض نتيجة لسرعة النمو .
وهناك أسباب أخرى لمرض لين العظام نتيجة لخلل في وظيفة فيتامين ( د ) أو تصنيعه , منها أمراض الكبد أو الكلى المزمنة وحالات الإسهال المزمنة حالات خلل الامتصاص من الأمعاء الدقيقة , واستخدام بعض الأدوية لفترات طويلة كبعض الأدوية المستخدمة لعلاج حالات الصرع , وهرمون الغدة الجار الدرقية يساعد على تصنيع فيتامين ( د ) وقلة نشاط هذا الهرمون سبب رئيسي لنقص أملاح الكالسيوم , وهناك أمراض وراثية تؤثر على الكلى حيث ينتج عنها نقص نشاط الأنزيمات اللازمة لعمل فيتامين ( د ) أو عدم استطاعة الكلى على حفظ أملاح الفوسفات في الجسم .
بعض المؤثرات البيئية والاجتماعية المرتبطة بانتشار مرض لين العظام
السكن : تزداد معدلات الإصابة بالمرض لدى قاطني الشقق السكنية الضيقة أو المنازل التي تفتقر للتعرض الكافي لأشعة الشمس المباشرة بينما تقل معدلات الإصابة بحدة بين سكان الريف وقاطني المنازل الرحبة الجيدة التعرض للشمس وخاصة مع وجود حدائق توفر للأطفال فرصة اللعب واللهو في الهواء الطلق . ولقد أثبتت الأبحاث أن نفاذ الأشعة فوق البنفسجية يقل كثيرا فوق المدن المزدحمة أو ما يطلق عليه نظرية المظلة الحضرية Urban Umbrella ولعل ذلك يفسر تسمية المرض بعلة الغابات الإسمنتية أو كما سماه العالم بارك في عام 1923 بمرض الحياة بعيدا عن الطبيعة .
[Only registered and activated users can see links]
زي الأم : تثبت الدراسات الطبية أن معدلات الإصابة تزداد بحدة لدى الأطفال لأمهات يرتدين أزياء تغطي الجسم بكامله وأيضا الوجه والذراعين ويعود السبب بالطبع إلى نقص وقلة تعرض الأمهات لأشعة الشمس ومن الجدير بالذكر أن الأشعة فوق البنفسجية لا تنفذ من خلال زجاج النوافذ.
[Only registered and activated users can see links]
لف الطفل الرضيع (المهاد) : وهي عادة تراثية ليس هناك ما يدعمها طبيا وليس لها فوائد صحية محددة لكنها تحرم الطفل في شهوره الأولى من التعرض لأشعة الشمس بصورة كافية .
العادات الغذائية : ينتهج بعض السكان نظم غذائية غير صحية تعتمد على النشويات والبروتينات الحيوانية ولا توفر موارد كافية لفيتامين د والكالسيوم والفيتامينات والمعادن الضرورية ويؤدي ذلك بالضرورة إلى نقص في معدلات فيتامين د بأجسامهم خاصة النساء واللاتي تزداد معاناتهم مع الحمل المتعدد والمتلاحق والذي يستنزف مخزون أجسامهن من فيتامين د وأيضا من كثير من العناصر الحيوية الأخرى .
[Only registered and activated users can see links]
الوقاية من مرض لين العظام
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشمسها الساطعة لدينا أكثر الطرق فعالية وتأثيرا في الوقاية من مرض لين العظام .. علينا الاهتمام بتعريض أجسامنا وأولادنا للشمس المباشرة صباحا وعصرا وهي فترات تسقط فيها أشعة الشمس بصورة مائلة إلى الأرض وينصح بتفادي فترات القيظ حيث تسقط الأشعة عمودية على الأرض , هناك نظريات علمية تؤكد أن تعرض الوجه والذراعين لمدة 15 دقيقة ولثلاث مرات في الأسبوع توفر للجسم مخزونا كافيا من فيتامين د غير أن نظريات طبية أكثر تحفظا تقدر بان تعريض الجسم لساعة يوميا هو خير وقاية من هذا المرض .ومن اليسير أن نحافظ على تقاليدنا الإسلامية واحتشام نسائنا وفي الوقت نفسه نتيح لهن فرصة التعرض لأشعة الشمس في أماكن توفر الخصوصية بالمنزل أو فوق سطحه ويجب تفعيل دور الحديقة المنزلية أو الحدائق العامة ومناطق البر بهدف إتاحة أفضل ظروف التعرض لأشعة الشمس لكافة أفراد العائلة .
إن التغذية تلعب دورا هاما في توفير مصادر غنية بفيتامين د كالأسماك وزيت كبد الحوت والألبان الطازجة المبسترة والمعززة بفيتامين د والزبدة والأجبان وتمثل هذه المصادر خاصة للأطفال والأمهات الحوامل والمرضعات كذلك لكبار السن ويجب التمسك بالرضاعة الطبيعية للطفل نظرا لفوائدها المتعددة بشرط حرص الأم على التغذية الصحية السليمة وننصح بوجه عام بتنظيم الإنجاب وإتاحة فترات بين الوضع والحمل الآخر ليتسنى لجسم الأم تكوين مخزون مناسب من العناصر الغذائية المختلفة .
إن التجربة المأساوية للمدن المزدحمة والتي تحولت إلى غابات إسمنتية من البنايات الشاهقة المتجاورة لابد وأن تدفعنا إلى التفكير بروية عند تخطيط امتدادنا العمراني وتصميم منزلنا بهدف توازن افضل مع الطبيعة ووسط بيئي يوفر لكافة أفراد الأسرة الاستفادة من أشعة الشمس والهواء الطلق .
إن جرعة وقائية من فيتامين د تقدر بحوالي 400 وحدة دولية يوميا توفر وقاية مناسبة للطفل غير أن ذلك بالقطع يخضع لتقدير الطبيب الأخصائي والذي حتما سيقدم العون المناسب للأم وطفلها سواء للوقاية أو لتشخيص المرض وعلاجه وننصح كل أم بضرورة الحرص على استشارة أخصائي التغذية سواء أثناء الحمل أو إرضاع الطفل حيث أن ذلك يوفر لها فرصة جيدة للوقاية من هذا المرض .
العلاج
في حالات نقص فيتامين (د) نتيجة نقص التغذية أو قلة التعرض للشمس يتم علاج المرض بتعويض الفيتامين عن طريق الفم لعدة أسابيع تحت إشراف الطبيب. يتحسن شكل تشوهات العظام ولكن الحالات المتطورة قد تسبب تشوهات عظمية مزمنة , وينبغي علاج التشنجات نتيجة نقص أملاح الكالسيوم تحت ملاحظة دقيقة وتحاليل دم متكررة لمعرفة نسبة الأملاح .
أما الأسباب الأخرى لمرض لين العظام وهي أقل شيوعا فيتم علاجها تحت رعاية طبية متواصلة حيث يحتاج المريض إلى تعويض دائم لأملاح الكالسيوم والفوسفات وإلى علاج المضاعفات الأخرى المصاحبة للمرض المسبب .